;

العلاج الكيميائي لمرض السرطان

  • تاريخ النشر: الأحد، 22 نوفمبر 2020
العلاج الكيميائي لمرض السرطان

بالإضافة إلى الجراحة والعلاج الإشعاعي، يعد العلاج الكيميائي واحداً من الطرق الرئيسية لعلاج السرطان. وهو يشمل علاج الأورام الخبيثة بمواد كيميائية تعرف باسم "عوامل العلاج الكيميائي" أو "عوامل التثبيط الخلوي"، والتي تؤثر على دورة تكاثر الخلايا السرطانية. ويتم إعطاء المكونات الفعالة للعلاج الكيميائي على شكل حقن أو أقراص.

أدوية السرطان وتأثيراتها

يعتبر بول إيرليش (1854-1915) الحائز على جائزة نوبل في الطب عام 1908 مبتكر العلاج الكيميائي الحديث، وقد كان أول من استخدم هذا المصطلح. إلا أنه لم يقصد الأدوية التي تعالج السرطان، بل قصد المكونات الفعالة (المواد الكيميائية) التي تساعد في علاج الأمراض المعدية. وقد تم اعتماد طريقته في اختبار المواد الفعالة الطبيعية لمعرفة تأثيراتها وتطويرها صناعياً كأدوية مضادة للسرطان في بداية القرن العشرين. وكما هو الحال مع العلاج الكيميائي الذي يقضي على العوامل الممرضة مثل البكتيريا أو الفطريات، يجب ألا يسبب العلاج الكيميائي لمرض السرطان ضرراً كبيراً على الخلايا السليمة، في حين يكون له تأثير مثبط يمنع تكاثر وانقسام الخلايا السرطانية.

تأثير العلاج الكيميائي على الخلايا

العلاج الكيميائي اليوم يُفهم على أنه علاج للأورام الخبيثة بمواد كيميائية تؤثر على دورة انقسام الخلايا السرطانية. وتُعرف هذه المواد باسم عوامل العلاج الكيميائي أو عوامل التثبيط الخلوي.

يتم توجيه المكونات النشطة في هذا العلاج بشكلٍ أساسي إلى المادة الوراثية للخلايا التي تكون في مرحلة التكاثر والتي تنقسم بنشاط.

لأن الخلايا السليمة تنقسم وتتكاثر أيضاً، من الطبيعي أن تتأثر بالعلاج الكيميائي. لكن تأثير العلاج يكون أكبر على الخلايا التي تنقسم بشكل متكرر وسريع جداً. ونظراً لأن خلايا العديد من أنواع السرطان تنقسم بسرعة كبيرة، فهي تكون أكثر عرضة لتأثيرات عوامل التثبيط الخلوي.

تأثير العلاج الكيميائي على الجسم

على عكس الجراحة والإشعاع، يكون للعلاج الكيميائي تأثير على الجسم بأكمله، حيث يتم توزيع المكونات النشطة التي يتم تناولها على شكل أقراص أو حقنها على كل أعضاء الجسم، وبالتالي يستطيع العلاج أن يصل إلى الخلايا السرطانية في أي مكان وتدميرها. الاستثناء الوحيد هو الدماغ، حيث يمكن أن يمنع "الحاجز الدماغي الدموي" وصول العلاج إلى المناطق المتضررة في الدماغ.

النتيجة هي أن للعلاج الكيميائي تأثير على كامل الجسم، وهذا على عكس الجراحة والعلاج الإشعاعي، اللذان لهما تأثير موضعي فقط، لذلك، يكون للعلاج الكيميائي فائدة كبيرة في المراحل المتقدمة من مرض السرطان، أي عندما تنتشر الخلايا السرطانية في أماكن عدة من الجسم، لكن حتى في المراحل المبكرة من السرطان، يمكن استخدام العلاج الكيميائي، على سبيل المثال، يمكن أن يستخدم لعلاج الأورام السرطانية التي لا تظهر عن طريق التصوير الشعاعي ولا يمكن تحديد مكانها، أيضاً، هناك إجراء يعرف باسم "العلاج الكيميائي المحلي"، حيث يتم إعطاء العلاج الكيميائي لإحداث تأثيرات مباشرة على أنسجة الورم. من الأمثلة على ذلك حقن المكونات النشطة في الكبد عبر شريان الكبد، حيث تعمل هذه المكونات لعلاج سرطان الكبد.

ما هي أدوية العلاج الكيميائي المتوفرة حالياً؟

يوجد أكثر من 50 دواء مختلف يثبط انقسام الخلايا (عوامل التثبيط الخلوي) والمتاحة لعلاج مرض السرطان. كل نوع من هذه الأدوية يستخدم لمهاجمة الخلايا السرطانية في مراحل مختلفة من دورة حياة الخلية. لذلك، أثناء العلاج، غالباً ما يتم دمج العديد من الأدوية مع بعضها البعض للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الخلايا السرطانية في مراحل نموها وتكاثرها المختلفة وتثبيطها.

من الأمثلة على أدوية العلاج الكيميائي نذكر:

عوامل الألكلة (Alkylating Agents)

هذه من أقدم أدوية التثبيط الخلوي المستخدمة لعلاج السرطان. تتحد المواد الفعالة فيها مع المادة الوراثية (DNA) الموجودة في نواة الخلية. نتيجة لذلك، تصبح خيوط الخلية السرطانية إما مترابطة بشكل وثيق أو مفككة. هذا يمنع تمرير المعلومات الوراثية أثناء انقسام الخلية.

مضاد المستقلب (Antimetabolite)

هذه مادة كيميائية تعمل على تثبيط المستقلب (وهو مادة كيميائية لها دور في عمليات الأيض)، وبالتالي فهي تؤثر على عمليات التمثيل الغذائي. هذا يمنع الانقسام الطبيعي للخلايا.

الأنثراسيكلينات (Anthracyclines)

يتم الحصول على فئة الأدوية هذه من بكتيريا المتسلسلة. وهي تعطل بنية الحمض النووي في نواة الخلية. يطلق عليها الأطباء اسم "المضادات الحيوية للأورام"، لإنها تفكك المادة الجينية في الخلايا السرطانية، وذلك على غرار المضادات الحيوية التقليدية التي تقتل البكتيريا، وهي تتميز بقدرتها على قتل الخلايا السرطانية حتى إذا كانت هذه الخلايا ليست في مراحل الانقسام الخلوي. لذا فإنها تكون فعالة بشكلٍ كبير، لكنها تسبب أيضاً العديد من التأثيرات الجانبية.

التاكسينات (Taxane)

التاكسانات هي مواد كيميائية تستخرج من لحاء شجرة الطقسوس، لذا تعد واحدة من مثبطات الخلايا ذات المصدر النباتي، تعمل هذه المواد الكيميائية على تعطيل الأنابيب الدقيقة. الأنابيب الدقيقة ضرورية لانقسام الخلايا، فهي تضمن توزيع التركيب الوراثي بالتساوي بين الخليتين الوليدين. تقوم التاكسانات بتعطيل خيوط الأنابيب الدقيقة مما يوقف عملية الانقسام الخلوي.

القلويّات العناقيّة (Vinca alkaloid)

تنتمي هذه الأدوية إلى فئة عوامل التثبيط الخلوي ذات المصدر النباتي، يتم الحصول عليها من عناقية مدغشقر، وهي تعمل على تعطيل الأنابيب الدقيقة وبالتالي تمنع عمليات انقسام الخلايا.

متى يتم اللجوء إلى استخدام العلاج الكيميائي؟

بالنسبة لمعظم الأورام الخبيثة، يتم الجمع بين الأدوية التي تمنع انقسام الخلايا (العلاج الكيميائي) وعلاجات أخرى مثل الجراحة أو العلاج الإشعاعي. في البداية، يتم اللجوء إلى الجراحة والعلاج الإشعاعي للتخلص من الورم، وبعد ذلك، يعمل العلاج الكيميائي على التخلص من أي بقايا للورم الخبيث ومنع وانقسام وتكاثر الخلايا السرطانية المتبقية.

يمكن أيضاً استخدام العلاج الكيميائي قبل تطبيق العلاج الجراحي أو العلاج الإشعاعي. في هذه الحالة، يهدف العلاج الكيميائي في المقام الأول إلى تقليل حجم الورم، مما يسهل العلاج الجراحي أو العلاج الإشعاعي.

هناك شكل خاص من العلاج الكيميائي يتضمن جرعة عالية من المواد الكيميائية ثم زرع الخلايا الجذعية في نقي العظام، يستخدم هذا العلاج لعلاج مرض سرطان الدم. حيث تؤدي الجرعات العالية من العلاج الكيميائي إلى تدمير نخاع العظم عند المريض. ثم يتلقى المريض الخلايا الجذعية المكونة للدم من شخص متبرع (زرع الخلايا الجذعية الخيفي) أو يتلقى الخلايا الجذعية التي يتم استخلاصها من جسمه قبل تطبيق العلاج الكيميائي (زرع الخلايا الجذعية الذاتي)، وذلك على أمل أن تستقر الخلايا الجذعية وتتكاثر في نخاع العظم.

كيف يتم تطبيق العلاج الكيميائي؟

تعتمد طريقة وكيفية إجراء العلاج الكيميائي على عوامل مختلفة، والتي يتم تحديدها حسب حالة كل مريض.

في كثير من الأحيان، لا يتم استخدام عامل كيميائي واحد فقط، بل يُستخدم مزيج يتضمن العديد من عوامل التثبيط الخلوي التي يكون لكل منها تأثير وألية عمل خاصة. يجب أن يؤدي ذلك إلى زيادة فرص العلاج بأقل عدد ممكن من الآثار الجانبية.

يتم إجراء العلاج الكيميائي على فترات تسمى الدورات، ويكون هناك فترة راحة علاجية بين كل دورة. في الدورة، يتم إعطاء عوامل التثبيط الخلوي في يوم واحد أو أكثر. يتبع ذلك استراحة من العلاج لعدة أيام أو أسابيع أو أشهر. أثناء فترة الراحة، يجب أن يعيد الجسم تجديد الأنسجة الطبيعية والسليمة التي تعرضت لتأثير العلاج الكيميائي، في العادة، تتعافى الأنسجة السليمة من العلاج الكيميائي بسرعة أكبر من أنسجة الورم.

في معظم الحالات، يتم تطبيق 4 - 6 دورات من العلاج الكيميائي لمرضى السرطان. حيث يتم في كل دورة استهداف الخلايا السرطانية التي لم يكن من الممكن استهدافها في الدورات السابقة، وذلك لأنها كانت في فترة راحة ولا تنقسم أو تتكاثر. أي أن الدواء لم يكن قادراً على التأثير عليها.

ما هي عيوب العلاج الكيميائي؟

لا يكون تأثير العلاج الكيميائي المدمر للخلايا على الخلايا السرطانية فحسب، بل يؤثر أيضاً على جميع الخلايا الأخرى التي تنقسم بشكلٍ طبيعي بسرعة، مثل الخلايا الموجودة في الغشاء المخاطي أو جذور الشعر أو نخاع العظام. تشمل التأثيرات حدوث ما يلي:

  • اضطرابات في الجهاز الهضمي مثل التهاب الغشاء المخاطي للفم والغثيان والتقيؤ وفقدان الشهية والإسهال وآلام البطن
  • تغيرات في الدم أو فقر الدم أو اضطرابات تخثر الدم
  • زيادة احتمال الإصابة بالأمراض نتيجة انخفاض عدد خلايا الدم البيضاء
  • فقدان الشعر
  • الشعور بالتعب والإرهاق المستمر
  • عدم القدرة على التركيز وضعف الذاكرة
  • اضطرابات الدورة الشهرية عند النساء
  • تلف الغدد التناسلية واضطرابات القدرة الإنجابية عند النساء والرجال
  • زيادة خطر الإصابة بأنواع أخرى من السرطان

يمكن أن تبدأ الآثار الجانبية بالظهور في غضون ساعات أو أيام قليلة بعد بدء العلاج، ولكنها قد تظهر خلال شهور أو حتى سنوات.

تعتمد الآثار الجانبية التي تحدث لكل مريض على نوع عوامل التثبيط الخلوي المستخدمة في العلاج والجرعة ومدة العلاج، كما تلعب الصحة العامة للمريض دوراً أيضاً.

يمكن منع العديد من الآثار الجانبية أو التخفيف منها على الأقل من خلال التدابير المصاحبة للعلاج الكيميائي (العلاج الداعم). كما تتوفر أدوية تساعد في منع أو تخفيف الشعور بالغثيان والتقيؤ أو تدعم تجديد خلايا الدم.

يجري حالياً تطوير علاجات كيميائية واختبارها سريرياً، هذه العلاجات من المفترض أن يكون لها تأثير خاص، فهي تؤثر بشكلٍ أساسي على الخلايا السرطانية وتترك الخلايا السليمة دون أي تأثر. من الأمثلة على ذلك "عوامل التثبيط الخلوي المغلفة"، وهي مواد كيميائية يتم وضعها في كبسولات، ولا تُفتح هذه الكبسولات إلا بواسطة الإنزيمات التي توجد في الخلايا السرطانية. وعند فتحها، يتم إطلاق سم يقتل الخلايا السرطانية.

من المتوقع أيضاً تطوير تحسينات بفضل دراسات تسمى "دراسات تحسين العلاج". إنها دراسات تبحث في مواد التثبيط الخلوي التي يمكن دمجها مع بعضها البعض لتحقيق أفضل كفاءة في العلاج بأقل نسبة من الأعراض الجانبية.

  1. "كيف يستخدم العلاج الكيميائي في علاج السرطان؟" ، المعهد الوطني للسرطان في الةلايات المتحدة الأمريكية
  2. "ما هو العلاج الكيميائي؟" ، موقع هيلث لاين
تابعونا على قناتنا على واتس آب لنصائح الصحة والرشاقة لكم وللعائلة!